منتديات القمة الإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قرآن كريم - حديث شريف - خطب - فتاوى - مقالات - مرئيات - فلاشات اسلامية - ركن الأخوات
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أدب المسـتفتي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
memo
رئيس مجلس الإدارة
رئيس مجلس الإدارة
avatar


عدد الرسائل : 103
العمر : 28
تاريخ التسجيل : 24/10/2007

أدب المسـتفتي Empty
مُساهمةموضوع: أدب المسـتفتي   أدب المسـتفتي I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 31, 2007 9:39 pm

بسم الله الرحمن الرحيم



أدب المسـتفتي
) الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين(
الإفتاء منصب شريف ومقام عالٍ ؛ فإن المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونائب عنه في تبليغ الأحكام .
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى : " اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر ، كبير الموقع ، كثير الفضل ؛ لأن المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وقائم بفرض الكفاية ، ولكنه معرَّض للخطأ ؛ ولهذا قالوا : المفتي مُوَقِّع عن الله تعالى " . ا هـ .
وهذه آداب يجب على المسلم مراعاتها إذا أراد أن يستفتي في أمور دينه :
1- لا تَستَفْتِ إلا من هو أهل للفتوى ؛ فإن دينك هو أعظم أمانة حـمَّلك الله إياها ، وكما تذهب في علاج بدنك إلى الطبيب المتخصص فكذلك الحال في صلاح دينـك ، بل هذا أولى ؛ لأن الأديـان أهم من الأبدان ، والله تعالى يقـول :
( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )[ النساء : 58 ] ، ويقـول سبحانه : ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [ النحل : 43 ] .
2- لا تغتر بمظهر أحد أو اشتهاره بين العوام فيدعوك ذلك إلى أن تستفتيه في أمر دينك ؛ فإن الشهرة بين العامة لا يوثق بها وقد يكون أصلها التلبيس والتدليس ، وهناك فرق كبير بين الدين والتدين ، وبون شاسع بين العلم والفتوى وبين أحاديث القُصَّاص وخطب الوُعَّاظ ؛ فإن الدين علم له مصادره ومناهجه وأسُسُه ، ويحتاج إلى تخصص وتفرغ ، شأنه في ذلك شأن سائر العلوم ، أما التدين فهو سلوك يظهر على صاحبه وليس من لازمه أن يكون عالمـا بل ولا متعلمًا ، وتذكّر في ذلك دائمًا قول الإمام محمد بن سيرين : " إن هذا العلم دينٌ ؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم " ، وقديمًا دخل رجل على الإمام رَبيعة الرأي – شيخ الإمام مالك وصاحب الفتوى بالمدينة – فوجده يبكي ، فقـال له : ما يبكيك ؛ أمصيبة دخلَتْ عليك ؟ فقال : " لا ، ولكن استُفْتِيَ من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم ، ولَبَعض من يفتي ههنا أحقُّ بالسجن من السُّرَّاق " ، ونقول كما قال ابن الصلاح رحمه الله : رحم الله ربيعة ، كيف لو أدرك زماننا ! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
3- ليس كل ما يُقرأ في الكتب تجوز الفتوى به ؛ لأن الواقع يختلف ، والأعراف تتغير ، وقد نص العلماء على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال ؛ فلا تجوز الفتوى مثلاً في الأَيْمان والنذور وألفاظ الطلاق والإقرارات ونحوها مما يتعلق بمعاني ألفـاظ الناس إلا لمن كان خبيرًا بمراداتهم منها وما جرى عليه عرفهم فيها ، كما أنه ليس كل خلاف يُعتَدُّ به ، وليس كل قول فقهي يصلح تطبيقه ؛ فالفقهاء قاموا بواجب وقتهم فيما تركوه لنا من تراثٍ أدركوا فيه واقعهم وأحسنوا تطبيق الأحكام الشرعية عليه بما يحقق مراد الله فيه ، وكذلك يجب أن نفعل نحن .
وهناك فرق بين أن يعرف الإنسان حكمًا شرعيًّا عن طريق الثقافة العامة والاطلاع فيخبر به غيره – وهذا النقـل لا يُسمَّى " إفتاءً " – وبين أن يكون مؤهَّـلاً لأن يفتي ؛ فيبلغ عن الله دينه ، ويعلم الناسَ مراده ، ويعرف كيف يوقع حكم الله تعالى على الواقع الذي يناسبه ؛ بحيث يكون محققًا لمقاصد الشرع ومتّسقًا مع مصالح الخلق .
4 - لا تستـثقل الذهاب إلى دار الإفتاء ؛ فأنت مكلَّف شرعًا بسـؤال أهل الفتوى ، وهذا هو الذي يعذرك عند الله تعالى ؛ فاحرص على ذلك طلبًا لسلامة دينك من فتاوى الجهل والإرجاف المنتشرة بين الناس ؛ فرُبَّ فتوى تسمعها ممن ليس أهلاً للفتوى تفسد عليك دينك ودنياك ، وطلبُ السلامة في الدين لا يعدله شيء من المطالب .
5- إذا قدمت إلى دار الإفتاء فأخلص نيتك لله تعالى في طلب الحق والتماس الهداية والتوفيق منه سبحانه ؛ لتكون بذلك في سبيل الله حتى ترجع ؛ مصداقًا لقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : « مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ » [ رواه الترمذي وحسّنه ] ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « َمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ » [ رواه مسلم ] ، وعند أبي داود والترمذي وابن ماجه : « وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ » .
6- اشـتغل بذكر الله تعالى وقراءة القرآن أثناء انتظارك لدورك في الفتوى ، وعليك بصدق التوجه إلى الله سبحانه في طلب الصواب ؛ فإن المفتي ما هو إلا مبلِّغ عن الله تعالى ، وإذا أحسنت الطلب من الله وصـدقت في سؤاله سبحانه أحسن هدايتك لمراده وجعل لك من أمرك مخرجًا ووفّق من يفتيك للصواب الذي فيه صلاح أمرك وسلامة دينك كما قال تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )[ البقرة : 186 ] .
7- يجوز للمفتي تقديم صاحب الحاجة الذي يتضرر من الانتظار ، وعليك أن تعامل النـاس كما تحب أن يعاملك به غيرك ، واعلم أن الرحمة بالكبير والمرأة والعاجز وصاحب الحاجة سبب لتنـزل الرحمة عليك ومجيء الفرج إليك كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ ؛ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ » [ رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه ] ، وكما قال عليه الصلاة والسلام : « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَـنُ ؛ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمُـكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ » [ رواه أبو داود والترمذي وصححه ] .
8 - اجعل للسؤال عن حكم الشرع قيمة كبيرة وحرمة في نفسك ؛ فلا تركض وراء المفتي لتستفتيه في الطرقة مثلا ، ولا تهتف به مِن خلفه أدبًا معه ؛ فإنما يُنادَى من الخلف البهائم ، كما أوصى الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه تلميذه بذلك .
9 - جَرِّد نفسك لطلب الحق والصواب ، وهيئها لقبول الحكم الشرعي ولو كان على غير هواك ؛ فإن المفتي مكلف ببيان دين الله كما يعلمه ، سواء أوافق ذلك هوى الناس أم خالفهم ، ولا تتصور أن إنسانًا عاقلاً يقبل أن يبيع دينه بدنيا غيره ، وحتى لو لم تقتنع بالفتوى وغلبتك نفسك على قبولها فتأدب في تلقيها وانصرف راشدًا من غير استنكار ولا رفع صوتٍ حتى يفتح الله تعالى عليك في فهمها .
10 - إذا دخلت على من يفتيك فاحفظ أدبك معه وعَظِّمْ حُرْمة مجلس الإفتاء ؛ فإن المفتي يبلغك دين الله تعالى ، والأدب مع المبلِّغ أدبٌ مع المبلَّغ عنه سبحانه ، واحذر أن تتكبر عليه بجاهك أو منصبك أو مالك أو سِنِّك ، فشرف العلم فوق كل شرف، والعلماء هم ورثة الأنبياء ، وتوقيرهم واحترامهم ومعرفة أقدارهم تعظيم للشرع الشريف وسببٌ للخير والثواب في الدنيا والآخرة ، وقد أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ننـزل الناس منازلهم .
11- إذا سألت فاسأل سؤال مُستفهِم يريد معرفة الحكم الشرعي ، ولا تتحرج من السؤال عما لا تعلمه ، وليكن سؤالك مهذبًا وواضحًا ، أما إن سألت تعنتًا أو امتحانًا أو تعجيزًا فلن يبارَك لك فيما تسمعه ؛ لأنك تغلق بذلك على نفسك ، كما قال مجاهد رحمه الله : " لا يتعلم العلم مستَحْيٍ ولا مستكبر " [ رواه البخاري تعليقًا ] .
12 - هذب لسانك وجوارحكَ في مجلس الفتوى بأدب الإسلام كما نص عليه العلماء :
• فلا تتكلم بأسلوب غير لائق .
• ولا ترفع صوتك على الشيخ .
• ولا تومئ بيدك في وجهه .
• ولا تعبث في ثيابك أو أطرافك .
• ولا تتكلم حتى يُطلَب منك أو يؤذَن لك .
• ولا تتكلم مع صاحبك أو تتهامس معه .
• ولا تَحْكِ الكلام البذيء الذي يتنافى مع قدسية المكان وحرمته .
• ولا تكثر من الكلام لغير حاجة .
• ولا ترد على هاتفك المحمول بحضرة من يفتيك ؛ لأن المفتي قد احتبس وقته للاستماع إليك وفرَّغ نفسه لإجابتك ؛ ففرغ نفسك للإنصات إليه ، و إلا فاستأذن واترك المجال لغيرك مراعاةً لحق إخوانك الذين ينتظرون دورهم في الفتوى .
13- فرِّق في الاستفتاء في أمور الأحوال الشخصية بين السؤال عن الحكم الشرعي وبين حكاية المشكلة الاجتماعية التي لا تأثير لها في معرفة الحكم الشرعي ، واقتصر في ذلك على ذِكْر ما يرشد المفتي إلى كونه مؤثرًا في الوصول إلى الحكم الصحيح ؛ مراعيًا بذلك وقت غيرك ممن يشق عليه الانتظار .
14 - هناك من الأسئلة ما يجب فيه حضور صاحبه ليسأل بنفسه ، ولا يكفي حضور شخص آخر للسؤال بدلاً عنه ، كألفاظ الطلاق مثلاً ؛ فإن المفتي يحتاج فيها إلى الاستفسار عن لفظ الطلاق ونيته وظرف صدروه وغير ذلك مما تتوقف عليه الفتوى ، فإذا صدر من الزوج لفظ طلاق فهو المكلف بالسؤال عن حكم الشرع فيه لا زوجته ولا غيرها ؛ لأن الشرع حـمَّله هو أمر الطلاق والنية فيه ، وإذا أخبر زوجته بالفتـوى فلتصدقه ؛ لأن الشـرع لم يكلفها بأن تشق عن صدره لتعرف ما إذا كان صادقًا أو كاذبًا في نفس الأمر ، و إن كان كاذبًا فالإثم عليه وحده ولا إثم على الزوجة ولا حرج .
15 - الفرق بين القاضي والمفتي : أن حكم القاضي ملزم لمن تحاكم إليه ينفذ قهرًا ، أما فتوى المفتي فغير ملزمة في المنازعات بين الخصوم ؛ إذ ليس من شأنه طلب البينات واستشهاد الشهود واستحلاف أطراف النـزاع ، وليس مجلسه مجلسَ إقرار ، بخلاف القاضي في كل ذلك ، ويترتب على ذلك ما يأتي :
• أنه لا يفتي فيما ينظر فيه القاضي إلا على جهة المشورة وإبداء الرأي ؛ فإذا كانت الدعوى معروضة أمام المحاكم للنظر فيها فلا تَستَفْتِ فيما كان النظر فيه من شأن القاضي ، وليكن سؤالك عامًّا لا تَعَلُّقَ له بحقٍّ لمعيَّنٍ أو على معيَّنٍ .
• أن فتواه لا تعارض حكم القاضي إلا إذا خالف نصًّا صريحًا أو إجماعًا صحيحًا ؛ فإن حكمه يكون باطلاً حينئذٍ .
• أنه لا يملك تغيير المحرَّرات الرسمية التي يصدرها القاضي أو مأذونُه كما في الزواج والطلاق ؛ فإذا أراد مَن حُرِّرَتْ له وثيقة طلاق رسمية مثلاً أن يطعن فيها فالطريق الصحيح له – إذا رأى نفسه محقًّا – أن يلجأ إلى المحكمة طلبًا للتصحيح ، ثم إذا أراد القاضي بعد ذلك أن يستشير المفتي فإنه يخاطبه بمحرَّر رسمي مثلاً .
• قد يطلب الزوج – أو الزوجة التي حضر زوجُها للاستفتاء – من المفتي ما يفيد وقوع الطلاق من عـدم وقوعه ، وحينئذٍ فإفادة دار الإفتاء بذلك إنما هي على سبيل الشهادة لا القضاء .
16 - إذا كذب المستفتي في سؤاله وذكر ما يخالف الحقيقة فإن فتوى المفتي لا تحلل له حرامًا ولا تحرم حلالاً ؛ لأن الفتوى على الظاهر والله يتولى السرائر ، والأمر كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم » : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِى لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ » [ متفق عليه ] ، فاتق الله تعالى وراقبه في سؤالك .
17- إذا أجابك المفتي فأَقْبِلْ بعقلك وقلبك وجوارحك عليه ، وأَصْغِ إليه حتى تستوعب كلامه ، ولا تحوجه إلى تكرار الفتوى مرة بعد أخرى ؛ فإن ذلك يستنفد الجهد والوقت .
18- نص أهل العلم على أن للمفتي التعزير كما للقاضي ؛ فإذا قسا عليك المفتي في إرشادك ونصحك فيما خالفت فيه الشرع فالزم الأدب معه ، ولا تكن ممن إذا قيل له : اتق الله ؛ أخذته العزة بالإثم .
19 - لا تكثـر من السـؤال والتـنقير فتشدد على نفسك وعلى الناس ، واشـتغل بالسؤال في الأصول عن المسائل
والصور والافتراضات ؛ فالله تعالى يقول : ( ياأيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم )[ المائدة : 101] ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول » : أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ وَنَقَّرَ عَنْهُ فَحُرِّمَ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ » [ رواه مسلم ] ، ولمـا خطب عليه الصلاة والسلام في الناس وقال لهم : « أَيُّهَا النَّاسُ ! قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا » قَالَ له رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجبه حَتَّى قَالَهَا الرجل ثَلاَثًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله سلم » : لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ » ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآلـه وسلم : « ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ؛ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ » [ متفق عليه ] ، والمـراد : الأخذ بظاهر الأمر وعدم الإكثار من الاستقصاء والاستكشاف كما فعل أهل الكتاب في قصة البقرة ؛ شدَّدُوا فشُدِّدَ عليهم .
20 - ليس لك أن تطلب من المفـتي دليلـه ، ولا أن تناقشه في طـريق وصوله إلى الحكم الشرعي – خاصة إذا كانت المسألة خلافية – ؛ إذ ليس من شأن المفتي أن يطيل الاستدلال والاحتجاج ؛ لأن المقام مقام إفتـاء لا مقام تدريس ، ولكل مقام مقال .
ثم إن طرق الدلالة وآليَّـة فهم الدليل من شأن أهل الاختصاص ، والدخـول في شأن أهل الاختصاص في أي فن أو مجال – كالمريض يطالب الطبيب بسِرِّ تشخيصه وعلاجه – بابٌ لتعطيل النواميس والسنن الكونية التي خلقها الله تعـالى ؛ ولذلك قالوا : قول المفتي بالنسبة للعامي كالدليل بالنسبة للمجتهد .
على أنه يجوز للمفتي أن يذكر الدليل استـئناسًا وتعليمًا إذا كان نصًّا واضحًا مختصرًا قريب الفهم ، أو كان الدليل هو الإجماع ، أو كانت الفتوى تصحيحًا لفتاوى أخرى خاطئة أو مفاهيم مغلوطة .
21- إذا سأَلْتَ أهلاً للفتوى فليس لك أن تسأل مرة أخرى ؛ حتى لا تفتح على نفسك بابًا للاضطراب والوسوسة ، وحاذر من التنقل بين المفتين بحجة التأكد والاطمئنان من الفتوى ؛ فإن الله تعالى لم يكلفك إلا بسؤال أهل الذكر المعتمَدين ، فإذا أفتاك أحدهم فقد أديت ما عليك ، ومذهبك حينئذٍ هو مذهب مفتيك .

22 - اختلاف الفتوى بين أهل الفتوى المعتمَدين فيها هو بالنسبة إلى العامي اختلاف تنوع مبناه على الرحمة والسعة لا على الفرقة والشقاق ، وما دمت في إطار المرجعية الدينية الصحيحة فالأمر واسع في العمل بما تراه أنسب لك وأكثر مواءمة لظروفك وأقرب إلى قلبك .
23 - إذا أردت أن تتورع في مسألة خلافية فلا تُلزِم غيرك بذلك ؛ فقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن حَد الورع أوسع من حد الحكم الفقهي والحلال والحرام ، وذلك لأن المسلم قد يترك كثيرًا من المباح تورعًا ، وهو أمر واسع يمكن أن يصل به إلى أن يخرج من ماله كله ، ولكن هذا لا يعني أن يُلزِم غيره بذلك على سبيل الوجوب الشرعي ؛ فيُضَيِّق على الناس معايشهم ويعطل لهم مصالحهم ويدخـل بذلك في باب تحريم الحلال ، ولا يجوز للمسلم أن يتعامل مع الناس في الظني المختلف فيه كما يتعامل مع القطعي المجمع عليه ؛ و إلا دخل في البدعة بتضييق ما وسَّعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، بل عليه أن يلتزم بأدب الخلاف كما هو منهج السلف الصالح في الأمور الخلافية . وقديمًا قال سفيان الثوري رحمه الله : » إنما العلم عندنا الرخصة من فقيه ، فأمّا التشديد فيحسنه كل أحد » .
24 - إذا أبطأ عليك المفتي في الفتوى – شفهية كانت أو مكتوبة – فلا تعجل عليه ، بل إنه قد يطلب منك ترك السؤال لعرضه على بقية أمناء الفتوى بل وعلى فضيلة مفتي الديار المصرية نفسه إذا لزم الأمر ؛ فإن من شأن المفتي أن يتثبت وألا يسرع بالإجابة قبل استيفاء الفتوى حقها من النظر والفكر ؛ فالفتوى تمر بأربع مراحل : التصوير ، والتكييف ، وبيان الحكم الشرعي ، وتنـزيله على الواقع ؛ فلا تظن أن الإسراع دائمًا براعة والإبطاء عجز ومنقصة ؛ فلأن يبطئ المفتي فيصيب خير من أن يعجل فيخطئ .
يقول التابعي الجليل عبد الرحمن بن أبي ليلى : » أدركتُ عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُسأَلُ أحدهم عن المسألة ، فيردها هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا ... حتى ترجع إلى الأول » .
وهذا الإمام مالك رضي الله عنه ؛ ربما كان يُسأَل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها .
وأتى رجل إلى الإمام سحنون فسأله عن مسألة ، فأقام يتردد إليه ثلاثة أيام : مسألتي أصلحك الله ! اليوم ثلاثة أيـام ! فقال له : وما أصنع لك يا خليلي ؟ مسألتك معضلة ، وفيها أقاويـل ، وأنا متحير في ذلك ! فقال له : وأنت – أصلحك الله – لكل معضلة ، فقال له سحنون : هيهات يا ابن أخي ، ليس بقولك هذا أبذل لك لحمي ودمي إلى النار ، ما أكثرَ ما لا أعرف ! إن صبرتَ رجوتُ أن تنقلب بمسألتك ، وإن أردت أن تمضي إلى غيري فامضِ تجاب في مسألتك في ساعة ، فقال : إنما جئتُ إليك ولا أستفتي غيرك ، فقال له : فاصبر عافاك الله . ثم أجابه بعد ذلك .
25 - قد يُشكِل على المفتي معنًى في المسألة التي تُعرَض عليه لعِلَّةٍ خفيةٍ يغيب عنه التفطن لها ، فيمسك عن الجواب حتى يُفتَحَ عليه فيها ، فلا تظن هذا قدحًا في علمه وأهليته للفتوى حتى ولو أجاب عنها من هو أقل منه علمًا ؛ فقد يُفتح على المتعلم ما لا يُفتح على العالم ، والعلم مواهب ، وفوق كل ذي علم عليم .
ويكثر هذا في باب المعاملات والعقود التي تمتاز بدقة الفتوى فيها واحتياجها إلى التأنِّي ومزيد البحث والنظر ، بالإضافة إلى تغير العصر وتطور الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة وما يستتبع ذلك من تطور معنى الغرر والضرر .
والقصة الآتية التي حكاها الإمام الماوردي عن نفسه تبين هذا المعنى حيث يقول رحمه الله تعالى : صنفتُ في البيوع كتابًا ، جمعتُ له ما استطعتُ من كتب الناس ، وأجهدتُ فيه نفسي ، وكددت فيه خاطري ، حتى إذا تهذب واستكمل وكدت أُعجَب به وتصورت أنني أشد الناس اطلاعًا بعلمه حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان ، فسألاني عن بيع عقداه في البادية على شروط تضمنت أربع مسائل لم أعرف لشيء منها جوابًا ، فأطرقت مفكرًا بحالي وحالهما معتبرًا ، فقالا : أما عندك فيما سألناك جواب وأنت زعيم هذه الجماعة ؟ قلت : لا ، فقالا : إيهًا لك . وانصرفا ، ثم أتيا من قد يتقدمه في العلم كثيرٌ من أصحابي ، فسألاه ؛ فأجابهما مسرعًا بما أقنعَهما ، فانصرفا عنه راضيَيْنِ بجوابه ، مادحَيْنِ لعلمه ، فبقيت مرتبكًا ، وإني لعلى ما كنتُ عليه في تلك المسائل إلى وقتي ، فكان ذلك لي زاجرَ نصيحةٍ ونذيرَ عِظَةٍ .
وختامًا نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح ، وأن يُبَلِّغ بنا دينَه ، وأن يعلمنا مراده من كتابه ، ويحقق بنا مراده من خلقه ، آمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أدب المسـتفتي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات القمة الإسلامية :: .:[ المنتدى الاسلامي1 ]:. :: الفتاوى الشرعية-
انتقل الى: